Home » » كلمه رائعه " الظهور لآيوب للدكتور واصف عزيز

كلمه رائعه " الظهور لآيوب للدكتور واصف عزيز

Written By 3rd-day on الثلاثاء، 18 فبراير 2014 | 10:53 م






(  4  )  الظهور لأيوب

بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عينى

يتضح من قراءة سفر أيوب مدى قدمه ، فهو يشير إلى الأهرام ، و لا يشير إلى أى نبى ، ولا حتى من الأقدمين ، مثل إبراهيم أو إسحق أو يعقوب. ولا يشير إلى موسى ولآ الوصايا العشر ولا الناموس. و لا يذكر اليهود . هل كتب قبل إبراهيم؟ ولكننا ندرك مدى معرفته وتمسكه بالقيم و بما يرضى الله ، دون معرفته أو معرفة كل أصدقائه بالوصايا العشر..
و سفر أيوب من الأسفار الشعرية . ولذا تم ضمه إلى المزامير والأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد . وهو يكشف عن معرفة هائلة بالفلك و الأخلاق .
لكن من قام بكتابته؟ هل أيوب نفسه؟ أو واحد من أصدقائه الثلاثة ، أليفاز التيمانى, بلدد الشوحى ، صوفر النعماتى؟ أم اليهو بن برخئيل البوزى؟ يرى البعض أنه من المحتمل أن يكون  اليهو البوزى  فقد ظل يستمع لحوارات أيوب مع أصدقائه الثلاثة حتى  نطق فى النهاية ،  ’فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب لكونه بارا فى عينى نفسه.‘ (أى 1:32) وقد كان النقل الشفوى أقدم وسيلة لنقل المعرفة. ولكن نظرا لضخامة السفر وتفاصيل المتن ، فإنه من الصعب تسجيل النصوص من البداية عن طريق الحفظ الشفوى ثم الترديد ، مع ضبط الصياغة وسلاسة التحرير. ولو أنه كان معروفا من تاريخ الشعر العربى تمتع بعض الناس بسرعة حفظ الشعر بمجرد سماعه . وفى ذلك نوادر خارقة . و يظن أن تسجيل إليهو للحوارات هو الأكثر احتمالا. وهذا رأى المفسر الشهير ماثيو هنرى فى مجلده تفسير الكتاب المقدس في الجزء الخاص بسفر أيوب .ولكننى أعتقد شخصيا أن أيوب قد قام بمراجعة شاملة لكل ما كتبه إليهو أو غيره ، بل  لا بد أن أيوب قد تدخل شخصيا فى أجزاء كثيرة، وبمنتهى الدقة ، خاصة الجزء المتعلق بكلام الله فى بداية السفر فى حديثه مع الشيطان وتدخله فى محضر الله، وكذلك فى نهاية السفر ، وبخاصة  فى حديث الله مع أيوب ، وعن مدى رعاية الله لمخلوقاته و تنوعها، ومعرفته بسلوكها وعجز أيوب عن التحكم فيها . ..  
ونترك الكاتب قليلآ إلى المكان .  يذكر أول السفر ’كان رجل فى أرض عوص إسمه أيوب‘(أيوب1:1). ويشير سفر التكوين إلى عوص وعلاقته بابراهيم بقوله ’وحدث بعد هذه الأمور أن إبراهيم أخبر وقيل له هوذا ملكة قد ولدت هى أيضا بنين لناحور أخيك . عوصا بكره وبوزا أخاه وقموئيل أبو أرام ...‘(تك 20:22و21). وهذا يعنى أن عوصا كان بكر ناحور أخى إبراهيم ، أى أن أيوب عاش فى أيام إبراهيم أو اسحق . أما بوز، الذى ينسب إلى أليهو البوزى ، فكان أيضا فى أيام إبراهيم أواسحق .
وربما تقع أحداث السفر فى عمان ، حيث يوجد مسجد الآن وسط المزارع الشاسعة، يقال أن أيوب مدفون هناك . وهذا الاحتمال ممكن ، لأن الكتاب يشير إلى غزاة السبئيين وغزاة الكلدانيين (أى15:1و17)، وعمان قريبة إلى السبئيين والكلدانيين .
 و أخطأ أصحاب أيوب فى حق الله حتى  قال لهم مرتين فى نهاية السفر ’لم تقولوا فى الصواب كعبدى أيوب‘ (أى 7:42و8)، فقد اتهموا أيوب بشتى الخطايا التى ظنوا أن الله يجازيه عنها ، وقال له أليفاز التيمانى  ’لأن جماعة الفجار عاقر والنار تأكل خيام الرشوة. حبل شقاوة و ولد إثما وبطنه أنشأ غشا.‘(أى 34:15و35) حتى قال أيوب لهم’معزون متعبون كلكم‘(أى 2:16). وحتى رثى أيوب المكروب حاله بقوله ’غضبه افترسنى واضطهدنى . حرق على أسنانه. عدوى يحدد عينيه على. فغروا على أفواههم . لطمونى على فكى تعييرا. تعاونوا على جميعا. دفعنى الله إلى الظالم و فى أيدى الأشرار طرحنى . كنت مستريحا فزعزعنى وأمسك بقفاى فحطمنى ونصبنى له غرضا . أحاطت بى رماته . شق كليتى ولم يشفق . سفك مرارتى على الأرض . يقتحمنى اقتحاما على اقتحام . يعدو على كجبار. خطت مسحا على جلدى ودسست فى التراب قرنى.احمر وجهى من البكاء . وعلى هدبى ظل الموت . مع أنه لا ظلم فى يدى وصلاتى خالصة . يا أرض لا تغطى دمى ...‘(أى 9:16-18)
وأخيرا تكلم الرب ونسب متاعب الإنسان إلى عدم معرفته . وكما قال أشعياء ’سبى شعبى لعدم المعرفة.‘(أش 5:13) وكما قال هوشع ’قد هلك شعبى من عدم المعرفة.‘ (هو 6:4). ’أجاب الرب أيوب من العاصفة وقال من هذا الذى يظلم القضاء بكلام بلا معرفة‘ (أى 1:38و2) وابتدأ الله يسأل أيوب ليجيبه  عن عجز الإنسان عن إدراك عمق أفكار الله و سلطانه و معرفته الواسعة و قدرته ورحمته ، ومدى التنوع الهائل فى خليقته وسلوكها ، وذلك فى أروع ما كتب بفم الله عن أعماله وقدرته، مقابل عجز الإنسان عن إدراك التنوع الهائل فى الكائنات وسلوكها ومدى عناية الله بها كبيرها وصغيرها ، حتى أجاب أيوب الرب فى نهاية السفر بقوله :’قد علمت أنك تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك أمر . فمن ذا الذى يخفى القضاء بلا معرفة. ولكنى قد نطقت بما لم أفهم. بعجائب فوقى لم أعرفها. إسمع الآن وأنا أتكلم . أسألك  فتعلمنى . بسمع الأذن قد سمعت عنك والإن رأتك عينى. لذلك أرفض وأندم فى التراب والرماد.‘ (أى1:42-6)
لماذا ظهر الرب يسوع المسيح لآيوب؟ ولماذا قال أيوب ’أرفض وأندم فىالتراب والرماد‘؟ لقد شعر أيوب بأنه نطق بما لم يفهم , وبعجائب فوقه لم يفهمها . لذلك يرفض ويندم فى التراب لأنه قصر فى معرفة الله. وفى قراءة أخرى يرفض تأتى بمعنى ’يرذل نفسه.‘ إن سفر أيوب أول ما كتب فى الكتاب المقدس  بل ربما أثر فى الكتابة العبرية. وتجدرمقارنة ظهورالرب بسوع المسيح لأيوب بظهوره لإبراهيم (تك 18). وقد كانا معاصرين لبعضهما البعض ربما دون أن يكون لهما أتصال ببعض ، خاصة لصعوبة الاتصال فى تلك الأيام .  وواضح أن الله كان يتابع كل أقوال أيوب و أصحابه بل وكل ما فى أعماق صدورهم.. وقال لهم ’أنكم لم تقولوا فى الصواب كعبدى أيوب‘. وكشف قصور معرفة الإنسان.و إدراكه خطط الله . وهناك سبب آخر مهم. طلبه الله فى نهاية السفر. وهو أن يقدم أيوب ذبيحة خطية عنهم ويصلى لأجلهم حتى يغفر إثمهم و’يبرئ أيوب‘!! ’والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدى أيوب وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم و عبدى أيوب يصلى من أجلكم لأنى أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم لأنكم لم تقولوا فى الصواب كعبدى أيوب ... وفعلوا كما قال الرب لهم ورفع الرب وجه أيوب ورد الرب سبى أيوب لما صلى لأجل أصحابه ورد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفا.‘  إن ما علمه لنا الرب يسوع المسيح فى العهد الجديد ’واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا‘. قد مارسه معنا بالفعل فى العهد القديم أيضا. الله لا يتغير، لكن يريدنا  أن نتغير. ويتساءل قداسة البابا شنودة الثالث فى إحدى عظاته : نفرض أن أيوب رفض أن يغفر لهم؟ إنهم لن يحصلوا على الغفران ، ولن يحصل هو أيضا على الغفران ، لكن سيحصلوا عليه بطريق آخر.
من وضع أيوب فى الكتاب المقدس؟ الذى وضع السفر هو من كتب التوراة .أول خمس أسفار موسى. كيف و أين ومتى؟ لقد دبر الله حياة موسى بمنتهى الحنكة. ميلاده ونشأته وتربيته على يد يوكابد ثم سلمته لقصر فرعون لترعاه إبنة فرعون ، وأميرا بالقصر ، ويتعلم بكل حكمة المصريين   ثم هجرته إلى مديان بقد قتله المصرى ، ولقاؤه بيثرون كاهن مديان ,وزواجه من إبنته ، وحياته أربعين سنة بمديان ، راعيا للغنم... أرى أن سفر أيوب كان معروفا فى الصحراء العربية وبمديان ، شرقى خليح العقبة ، قبل موسى ، فرأى نسخة كاملة من السفر لدى يثرون . وأرى أن السفر كان رسالة إلهية إليه ، ولنا ، ليتدرب على الصبر والاحتمال والتعزية فى الحياة ، مع التمسك بشدة بالإيمان ورعاية الله وغناه وقدرته. فكان أول أسفار الكتاب المقدس لدي موسى . وكان عزاءه . فجمع لديه كل ما كان لديه وكل ما كان يتناقل لدى الآباء الأولين و الأنبياء القدامى من أول التكوين .فكتب بداية التكوين . وعاش وكتب الخروج وهكذا حتى التثنية.
هل كان ذلك فرصة لاختلاط المعرفة عبر خمسمائة عاما من إبراهيم إلى موسى أو أكثر من آدم حتى إبراهيم؟ كلا . لم يحدث اختلاط أو تشتت للمعرفة . فقد كانت هناك ظاهرة مهمة فى تلك الأيام .  لقد كان الناس يتصفون بطول العمر. فلقد كان عمريعقوب خمسة عشر عاما عندما مات إبراهيم . و سمع بالطبع أحداث جده و أبيه . أليس هذا مدعاة للتأكد من صدق الكتاب   المقدس؟
يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الأستقصاء. لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا . أو من سبق فأعطاه فيكافأ. لأن منه و به وله كل الأشياء . له المجد إلى الأبد . آمين .
و يقول الأب مرقس ميلاد خادم بكنيسة محرم بك بالأسكندرية أن الكنائس التقليدية : الأرثوذكسية و الكاثوليكية تخصص يوم الأربعاء بالبصخة المقدسة لأيوب. وتسميه أربعاء أيوب . ويقول أن أيوب تألم وهو برئ ، مثل رب المجد فى آلامه على الصليب . وهذا لا يعنى أنه يعادله ، ولكن يسوع البار تألم وهو بار لم يصنع خطية، وكان يستطيع أن يمنعها . ليحفظنا فادينا ويقودنا فى موكب نصرته 

0 التعليقات:

إرسال تعليق