Home » » سمير المطيعي يكتب حياة ليليان تراشر

سمير المطيعي يكتب حياة ليليان تراشر

Written By 3rd-day on الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012 | 4:48 م


سمير المطيعى يكتب

ليليان تراشر
 خادمة  الفقراء والايتام
يأتى شهر ديسمبر من هذا العام ونحن نحتفل بالذكرى الحادية والخمسين لرحيل أم اليتامى والفقراء .... ليليان تراشر .... ورأيت أن لا تمر هذة المناسبة دون ذكر سيرتها..
ولدت ليليان في ولاية فلوريدا الأمريكية في 27 سبتمبر 1887 ، نشأت في عائلة محافظة مدققة تميل للتقاليد ، وفي طفولتها وصباها عرفت الكتاب المقدس، الذي وصفته مرة بأنه " أعظم كتاب في التاريخ". روت قصة تعرفهاعليه" الكتاب المقدس"  فقالت: " بدأت أقرأ فيه لأول مرة، وسرعان ما جذبتني كلمة الله الثمينة. إنني لن أنسى التأثير الرائع لقراءة الكتاب المقدس لأول مرة في حياتي". لقد رأته لأول مرة عند إحدى صديقاتها، فطلبت من أمها أن تشتريه لها في الحال دون الاِنتظار لعيد ميلادها كما وعدتها أمها.
وبعد ذلك بسنوات، قابلت "ميس بيري" التي كانت تدير ملجأً للأيتام في مكان قريب، ودعت ليليان أن تأتي للعمل بالملجأ. ولم تكن ليليان تدرك أن هذا المكان هو الذي ستتدرب فيه على عملها لرعية الايتام طوال أيام حياتها
وأخيراً وصلت إلى "معهد الهناء للتدريب" حيث عملت في الخياطة والمطبخ والعناية بالأطفال المولودين حديثاً، والعناية بأعداد كبيرة من الأطفال اليتامى. وهناك تعلمت كيف تتكّل على الله لسد احتياجات الحياة كل يوم لم يكن لديها أموال بالمرة ولم يرسل أحدٌ شيئاً، ولم تكتب مطلقاً للآخرين عن احتياجاتها
تمزقت أحذيتها ولم يكن لديها مال لشراء زوج جديد من الأحذية، وأرسل إليها أحدهم صندوقاً من ثياب قديمة، وكان فيها زوج أحذية رجالي، فلبسته ليليان دون مبالاة
والتحقت ليليان بمدرسة الكتاب المقدس في سنسناتي، بأوهايو. وتولت رعاية كنيسة في داهلونجا في جورجيا، وقامت بالكرازة في كنتاكي، وفي 1909 عادت إلى ملجأ الأيتام في ماريون في كارولينا الشمالية.
كانت تصلي من أجل دعوة للعمل بين أخوة الرب؛ ولكن في تلك الأثناء خُطبت لتتزوج. وقبل يوم زفافها بعشرة أيام رافقت ميس بيري لتسمع أحد الوعاظ وكان من الهند، وقد تأثرت بشدة من عظتة التى كانت بمثابة رسالة لها من السماء ، حتى أنها بكت في أثناء الخدمة، وظلت تبكي طوال الطريق إلى الملجأ بل وطول الليل.
أرادت مس بيري أن تعرف سبباً لذلك، فأوضحت لها ليليان أنه ليس هناك شيء سوى أنها قد خُطبت لتتزوج أعجب شاب في العالم، وأنها لا تستطيع أن تتزوجه، فقد دعاها الله لأفريقيا ويجب أن تطيع، إذ يجب أن تضع الله أولاً.
وإذ لم تكن تعرف إلا القليل عن المكان الذي ستذهب إليه، جمعت ممتلكاتها القليلة والقليل من الدولارات- والتي كانت كل ما تملك، وذهبت إلى مؤتمر في بتسبرج في بنسلفانيا. كانت متأكدة من أن الله سيتولى أمرها ويسدد أعوازها كما فعل على الدوام من قبل. وقد فعل ذلك حقاً، فبعد وقت قصير وصلت إلى بروكلين في نيويورك في طريقها إلى مصر. وقد لحقت بها أختها "جيني". وأقنعها أحدهم أن تطلب وعداً من الرب ففتحت ليليان كتابها المقدس وقرأت ( أع 7: 34) "إني لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم. فهلم الآن أرسلك إلى مصر
نزلت الأختان في الإسكندرية، وسافرتا بالقطار إلى القاهرة، ثم بالمركب على نهر النيل إلى أسيوط، ورأت أنه أجمل مكان في العالم
ولم تلبث أن واجهت اِحتياجات الأطفال الفقراء الذين لا مأوى لهم، المنبوذين الذين يرتدون الثياب البالية
بداية الخدمة فى مصر .
وفي منتصف إحدى الليالي، طرق أحد الرجال بابها، كان يبحث عن شخص يأتي ليصلي مع امرأة تحتضر. فأخذت ليليان معها من يترجم لها ورافقت الرجل دون أن تكون لديها أية فكرة عما ستجده هناك. قد ارتعبت عندما اكتشفت وجود طفلة عمرها ثلاثة أشهر تحاول أن تشرب لبناً أخضر اللون متخثراً من وعاء من الصفيح، وقد التصقت ثيابها بجسدها وبدا أنها لم تتغير منذ مولدها، ورائحتها النتنة لا تطاق. وصلت ليليان، وعند موت المرأة سلمت الطفلة إلى ليليان، التي اصطحبت الطفلة معها إلى الملجأ. وتبادلت الأختان أرجحة الطفلة ومحاولة أعطائها بعض اللبن.
ولقد حاولت الأختان أن تعتنيا بالصغيرة طوال إثني عشر يوماً وليلة، والطفلة تعوي باستمرار، وكان مما لا يصدق أن طفلة سيئة التغذية، تستطيع أن تصرخ صراخاً عالياً بهذه الصورة. وسرعان ما فرغ صبر الخادمات و من يعشن معها بدار الارسالية ، وأمر رئيس الإرسالية ليليان أن تعيد الطفلة إلى مكانها.  
أول تجربة فى طريق الخدمة.
ولكن إلى من تعيد ليليان الطفلة؟ لقد جاءت لكي تعمل حسب نظام الإرسالية المعهود الذي كان يحتم على المرأة غير المتزوجة أن تخضع لقادتها من الرجال، فالمرسل المحنك يعرف الأفضل.
قررت ليليان أن تأخذ الطفلة لتقيم معها. وقد تعجب رئيسها كيف يمكنها أن تقوم بذلك بمفردها! امرأة أمريكية غير متزوجة في عالم عربي! لقد شعر بأنها إما أن تُقتل أو تتضور جوعاً حتى الموت.
وضعت كل ثقتها في الله عرفت ليليان أنها لن تكون وحيدة، لأن الله سيكون معها. واستطاعت بالستين دولاراً التي بقيت معها من مصاريف السفر، استأجرت بيتاً صغيراً، واشترت موقد كيروسين للطبخ، وبعض الأثاث. ولم يعد معها أي نقود، وقد انتهت معونة مجلس إرساليتها ولكن كانت لها ثقة في الله.
أصبحت ليليان وحيدة الآن؛ لأن أختها قد عادت إلى لونج بيتش في كاليفورنيا، ولم ترجع إلى مصر على مدى سنوات عديدة. وحيث أنه لم يكن لليليان مورد رزق، ابتدأت تستعطي. وكان أول عطاء لها نحو ثلث دولار، كان يكفي لشراء طعام لذلك اليوم
ليليان تستعطى من أجل الاطفال.
وتجولت على حمار لتستعطي مالاً، وفي أحيان كثيرة كانوا يعطونها أطفالاً عوضاً عن المال، وكان رجال الحكومة يندهشون لأن أحداً لم يزعجها أو يؤذيها. وقد وبخها حاكم المدينة لركوبها الحمار، لأنه أمر محتقر لشابة جميلة. فقالت له ليليان إن الحمار قد ركبته أم ربها، فهو بكل تأكيد يصلح لها أيضاً، فأصبحت تُعرف باسم "السيدة راكبة الحمار".
وعندما نما الملجأ كانت ليليان تصرف وقتاً أطول في التفكير في الوجبة التالية، ولكن كان يصلها على الدوام إما الطعام أو المال.
ومراراً كثيرة في ترحالها، لم تكن تستطيع العودة إلى الملجأ في الليل. وإذا لم يقدم لها أحد مكاناً مأموناً للمبيت، كانت تذهب إلى أقرب مركز للبوليس وتصرف الليل مع حمارها في السجن. ولم يكن المصريون يصدقون مدى عزيمتها وكيف يمكن لامرأة أمريكية أن تتحمل الحرارة
وكانت تأتي لها معونات من كنيستها، كميات من الملابس، وأحياناً بعض الأموال، ولكن ليليان ظلت تعتمد على كرم جيرانها المصريين، فكانت تشكر لأجل كل دولار ولأجل كل ما يُقدَّم لها، وكانت ترد على كل خطاب يصلها، في نفس اليوم.
وفي 1915 كان عندها خمسون طفلاً في الملجأ. وكان عليها أن تبني مكاناً، وقد ساعدها الأطفال في البناء، بل كانوا يقومون بعمل الطوب، وبدأت في تعليمهم الحرف إذ كان يلزم إعدادهم للحياة.
وفي 1923 كانت تأوي ثلثمائة يتيم وأرملة، ولكنها لم تكن قد حققت محصولاً روحياً كبيراً، ولكن في 1927 شهدت النهضة التي صلت من أجلها مدة طويلة، وفي أثناء ذلك ظلت تخيط وتغسل وتطعم وتبني، وكانت على الدوام تتكل على الله في كل شيء
الحرب ضد بريطانيا نالت منها وعرضتها للخطر.
وفي إحدى الليالي عندما قام المصريون ضد الحكام البريطانيين، كان عليها أن تنقل أطفالها من الملجأ إلى قمينة طوب، وعندما عدت الرؤوس، اكتشفت غياب طفلين
ورغم احتجاجات العاملات معها زحفت عائدة إلى الملجأ ووجدت الطفلين المرتعبين، فاحتضنتهما تحت ذراعيها، كل منهما تحت ذراع، وعادت ببطء إلى القمينة، وفجأة سد الثائرون الطريق أمامها، فكان عليها أن تهبط إلى خندق، حيث وجدت جندياً مائتاً، فكبتت رعبها لأن أي صرخة كان يمكن أن تؤدي إلى موتها وموت الطفلين، وبدأ الجنود يقتربون أكثر فأكثر إلى أن سار أحد الجنود على ليليان، فالأرجح أنه ظنها مائتة، وظل يمشي، وليليان تنظر وهي ترنم بهدوء "يسوع يحبني" في آذان الأطفال، وعندما انتهى الخطر، زحفت إلى الأمان مع الآخرين والأطفال.
لقد حماهم الله وحمى الملجأ، ومع أن البيوت القريبة نُهبت وأحرقت، فإن الملجأ لم يُمس!
وحكت ليليان لكل جيرانها المصريين عن قوة الله، وشيئاً فشيئاً اكتسبت ثقة الكنائس المصرية و الأمريكية، ولكن عندما حل الكساد، هبطت المعونات الأمريكية المالية إلى لا شيء عملياً. وكان قد أصبح لديها عدد كبير من الأطفال، فلم يكن يمكنها أن تتركهم وتذهب لتستعطي أموالاً أو مؤونة، فركعت وبكت أمام الرب، وقالت له أنها لم تعد بقادرة على القيام بكل ذلك فيما بعد. لكنها واثقة أنه ستُعنى بالأطفال، وهو من سيأتيها بالمال. وفي نفس ذلك الأسبوع، وصل أربعون طفلاً علاوة على ما كان عندها، فهي لم ترفض قبول أي طفل، بل كانت تفسح مكاناً لهم!
ثم أصبح عليها تدبير ألفي وجبة يومياً، علاوة على الكتب والملابس وسائر احتياجات مئات الأطفال.
وفي نهاية خمس وعشرين سنة لها في مصر، كتبت ليليان إن الله لم يخيب أملها في كل هذه السنين، بل أطعمهم مثل العصافير التي لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وعندما زار "لورد مكلاي" من اسكتلنده الملجأ، أعطى ليليان مائة دولار، وعاد إلى بلاده وهو يفكر فيما قد رآه. وفي فبراير سنة 1935، وصل إلى ليليان تلغراف يدعوها للحضور إلى القاهرة فوراً؛ حيث أعطاها لورد مكلاي خمسة آلاف دولار، وبعد ذلك زادت عطاياه إلى أكثر من عشرين ألف دولار، كما فتح بيتاً للأطفال في اسكتلنده أيضاً.
وفي فبراير سنة 1937 صرف لورد مكلاي وابنته الليل في الملجأ، وأعطى ليليان شيكين، أحدهما بألفين وخمسمائة دولار للملجأ، والآخر بألفين وخمسمائة دولار لحاجاتها الشخصية. وفي الصباح التالي، قال لورد مكلاي لليليان أن الله قال له أن يعطيها شيكاً بعشرين ألف دولار. فالله يعرف كيف يعتني بأولاده ويكافئ الأمانة
وباء الكوليرا يجتاح مصر
ومع أن بعض المشكلات المالية قد وجدت حلها، إلا أنه كانت هناك مشكلات أخرى في الأربعينات، فقد انتشرت الكوليرا في 1947، وصلّت ليليان من أجل كل طفل جاء إلى الملجأ، وشكراً للرب، فبالرغم من اقتحام الوبأ للملجأ، فلم يمت أحد.
وفي يناير سنة 1960 بدأت عاماً جديداً، وكان العام الخمسين لها في مصر، وتذكرت كيف أنها وهي فتاة صغيرة سعيدة حلمت بأن لها أثني عشر طفلاً ولدتهم.
وبمثل هذه الطرق العجيبة يقود الله الخادم لخدمتة .
قيل عنها إنها "أم النيل"، هكذا اشتهرت في الغرب، ولقبت بأنها "قديسة أسيوط"، وكتب البعض عنها من مصريين وأجانب جاعلين إياها "أعظم امرأة في مصر" ( في زمانها)).
وحين زار ملجأها الرئيس الاول بعد ثورة يوليو 1952 اللواء محمد نجيب، كتب في دفتر التشريفات ما يلي:
" لم يسعدني شيء بقدر ما شاهدته اليوم. كنت أحلم بجنة إنسانية وأتخيلها دائما حتى رأيتها اليوم حقيقة رائعة، فالعناية بالضعفاء من أطفال وأيتام وعجزة، بنين وبنات، رجال ونساء، يتجلى هنا بكل ما في معاني الإنسانية من قوة، فشكرا ً لمس ليليان ولجميع العاملين معها في هذه المؤسسة".
وحين زارها في مقرها بأسيوط الرئيس جمال عبد الناصر، كتب قائلا ً:
" أكتب لك شاكرا ً، وأريد أن أخبرك أن عملك مع الأيتام يقدره كل مواطن في هذا البلد، وأتمنى لك الاستمرارية في خدمتك الاجتماعية".
وبعد موتها في 17 ديسمبر عام 1961 ، نعاها الكاتب الكبير كمال الملاخ في جريدة الأهرام قائلا ً:
" ماتت الغريبة الحلوة القادمة من بعيد...ولاده الأمناء، فلنتقدم الآن إلى مقادس الكلمة الإلهية لندرس هذا الموضوع الجليل
ولم تكن تدرك ماذا ستكون عليه حياتها عندما ألغت خطبتها، فرغم أنها كانت تحب خطيبها، فإنها قالت له وداعاً يا توم، وهو المبشر الشاب الذي كان سيصبح زوجها، فقد أرادت أن تضع الله أولاً. والآن بعد خمسين سنة وقد أصبحت من ذوات الشعر الأبيض، تطلعت من نافذتها إلى 1200 طفل الذين لها.
 رسالة لخدام الكنيسة و الكلمة
                  لقد ماتت  ليليان تراشر و حتما لم يمت اسمها
ماتت ولم يكن لها أبناء من جهة الجسد ولكن عوضها الرب بأن ناداها أكثر من 15 الف طفل تولت هى برعايتهم وأصبحوا رجالا وسيدات خلال ال55 سنة مدة خدمتها بمصر ..قالوا جميعهم وداعا ماما ليليان أثناء مراسم وداعها الى مثواها الاخير. 
هذه هي "ليليان تراشر" الأمريكية الأصل التي عشقت أطفال مصر في صعيدها الدافئ على ضفاف النيل وطلبت ان تدفن بها ، لتجسد معان رائعة في زمن جميل فاض بالخير قبل أن تعرف مصر التعصب و رفض الآخر كانت أختاً فاضلة قبل ظهور" زمن الاخوان" أحبت مصر وعشقت أبناء المصريين وبنت صرحاً شامخا يشهد لها فى وسط أسيوط ويخلد ذكراها العطرة
نعم ليليان لم تكن ابنة كنيستى ولكنها كانت أختى فى الانسانية .... يحق لى ان أحفل وأفخر بذكري رحيلها  

ولو تركت الحكومات المصرية المتعاقبة الكنيسة المصرية وخدامها  والخدام حتى الغير مصريين أمثال ليليان تراشر  ليقدموا خدماتهم للأيتام والمعوزين " وهم يخدمون بلا مقابل أو أغراض ولا أهداف " لتجنبت مصر شرور مئات الآلاف من البلطجية وأطفال الشوارع الذين يفترشون شوارع مصر وأرصفتها بطول البلاد وعرضها بلا أب يعولهم وبلا نسب يعتزون بة وقد رأينا بأُم أعيننا ماذا وصلت الية أحوال البلاد من اِجرام البلطجية وأولاد الشوارع فى الآونة الاخيرة    ......

اليس كذلك


عن كتاب قصة حياة ليليان تراشر ورسائلها  وكذلك ويكيبديا ليليان تراشر.
سمير المطيعي
ديسمبر 2012
ذكري رحيل الخادمة أم اليتامى ليليان تراشر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق